إن أسلوب التفكير والإدراك لدى الأشخاص التوحديين يختلف عنه لدى أقرانهم من الناحية العمرية. فهناك سمات مميزة لتفكيرهم ترتبط بطبيعة اضطراب طيف التوحد الذي يعانون منه. فهم يفتقرون إلى بعض المهارات المعرفية والإدراكية اللازمة لفهم العالم الاجتماعي والتفاعل معه بشكل طبيعي.
على الرغم من أن الأشخاص التوحديين قد يبدون أقل ذكاءً من أقرانهم ،إلا أن بعضهم يتمتع في الواقع بمستويات متفوقة من الذكاء. فقدراتهم الإدراكية والمعرفية تختلف وتتباين بدرجة كبيرة بين الأفراد. إلا أنه وبصفة عامة نجد أن أسلوب تفكيرهم يتسم بعدد من السمات المميزة التي تؤثر على قدرتهم على التعلم والتكيف والتواصل.
في هذا المقال سأتناول بالشرح أبرز سمات تفكير الشخص التوحدي وأساليب إدراكه للمعلومات والخبرات. مع الإشارة إلى أن هذه السمات ليست مطلقة وثابتة لدى جميع الأفراد ،وإنما هناك اختلافات فردية كبيرة ترجع إلى شدة التأثر ومستوى الذكاء والقدرات الوظيفية لكل شخص.
أولاً: تفكير محدد التركيز:
يتصف تفكير الشخص التوحدي بضيق التركيز على موضوع معين أو نشاط محدد. فهو يركز على التفاصيل الدقيقة لأشياء معينة مثل : الجداول ، الخرائط ، الأرقام ، الحقائق ،التواريخ الدقيقة، أسماء الشوارع ورقم المنازل وما شابه. ويهتم بتجميع وتنظيم وتصنيف هذه المعلومات. كما أن اهتماماته تميل إلى الثبات وعدم التغيير.
ثانياً: تفكير مجرد وحرفي:
يفتقر تفكير الشخص التوحدي إلى المرونة والقدرة على التجريد. فهو يفهم الأشياء بشكل حرفي ويفتقر إلى فهم المعاني المجردة أو المجازية. كما يفتقر إلى القدرة على فهم الإيماءات وتعابير الوجه ولغة الجسد. وهذا ما يجعل المغزى والفكاهات والنكات غير مفهومة بالنسبة له.
ثالثاً: تفكير منطقي ومبرمج:
يتسم تفكير الشخص التوحدي بمنطقيته التي تعتمد على القواعد المنظمة والإجراءات المحددة. فهو يفضل أن تسير الأشياء بشكل منتظم محدد منطقي وإلا سيشعر بعدم الراحة. كما يفتقر إلى القدرة على التكيف مع المواقف الطارئة أو المفاجئة. ويفضل الروتين والتكرار.
رابعاً: تفكير سطحي وغير عميق:
يتسم تفكير الشخص التوحدي بأنه سطحي وغير عميق، إذ يركز على التفاصيل ولا يدرك الصورة الشاملة. كما يفتقر إلى القدرة على الربط بين الأفكار أو التوصل إلى استنتاجات. وتكون الرؤية محدودة وغير قادرة على فهم وجهات نظر الآخرين.
وهذا بشكل عام هو الشكل الذي يتخذه تفكير وإدراك الشخص المصاب باضطراب طيف التوحد. طبعاً مع وجود فروق فردية من شخص لآخر تعتمد على شدة التأثير والذكاء والقدرات الإدراكية الفردية.
خامساً: تفكير مرتبط بالحواس:
غالباً ما يكون تفكير الشخص التوحدي مرتبطاً بما يحسه بحواسه أكثر من اعتماده على المنطق أو المعاني. فهو يعتمد على ما يراه ويسمعه ويلمسه لفهم العالم من حوله. ويصعب عليه فهم ما هو مجرد أو غير محسوس.
سادساً: قوة الذاكرة وضعف التخيل:
غالباً ما يتمتع الشخص التوحدي بذاكرة قوية تعتمد على التفاصيل والحقائق، إلا أنه يعاني من ضعف في القدرة على التخيل والإبداع. فاهتماماته محدودة ومدفوعة بالرغبة في تجميع المعلومات والحقائق أكثر من ابتكار أفكار جديدة.
سابعاً: التفكير المكرر:
غالباً ما يكرر الشخص التوحدي نفس الأفكار أو الموضوعات أو الأسئلة دون ملل. فهو يشعر بالراحة من خلال التكرار والروتين ويصعب عليه تقبل التغيير أو التنويع.
وهذه بعض السمات الأخرى التي تميز تفكير الشخص التوحدي. ومع ذلك نجد أن هناك اختلافات فردية كبيرة بين الأشخاص التوحديين تعتمد على درجة تأثر الفرد وقدراته الإدراكية والوظيفية. فليس كل الأشخاص التوحديين يتشابهون في أنماط التفكير تماماً ،مع وجود سمات وصفات مشتركة بينهم تميزهم عن غيرهم من أفراد المجتمع.